التخطي إلى المحتوى

منذ آلاف السنين، لم يكن الذهب مجرد معدن نفيس، بل شكّل حجر أساس في بناء الحضارات وميزانًا للقوة الاقتصادية والسياسية بين الدول. فقد ارتبط اسمه بالثراء والاستقرار والهيبة، واحتفظ بمكانته كأحد أكثر الأصول قيمةً على الإطلاق، بفضل ندرته ولمعانه وقدرته على الاحتفاظ بالقيمة عبر الزمن. ومع تطور الاقتصاد العالمي، لم تتراجع أهمية الذهب، بل ازدادت باعتباره ملاذًا آمنًا في أوقات الاضطرابات، وأداة استراتيجية لدعم الاحتياطيات النقدية للدول.

وخلال القرنين الماضيين فقط، تمكّن الإنسان من استخراج ما يقرب من 220 ألف طن من الذهب من باطن الأرض، وهي كمية ضخمة ظاهريًا، لكنها لا تعكس وفرة حقيقية عند توزيعها على سكان العالم، إذ لا يتجاوز متوسط نصيب الفرد عالميًا نحو 3 جرامات فقط.

 وتحتفظ البنوك المركزية بنحو 17% من إجمالي الذهب المستخرج عالميًا، بقيمة تقديرية تفوق 24 تريليون دولار، ما يبرز الدور المحوري للمعدن الأصفر في النظام المالي العالمي.

الذهب محرك اقتصادي عالمي

ولا تقتصر أهمية الذهب على كونه أداة ادخار أو استثمار للأفراد، بل يمثل ركيزة أساسية في اقتصادات العديد من الدول، خاصة تلك التي تمتلك احتياطيات ومناجم كبيرة. 

ومع الارتفاع المستمر في الطلب العالمي على الذهب، سواء لأغراض الاستثمار أو الصناعة أو صناعة المشغولات، تتسابق الدول لتعزيز إنتاجها، لما لذلك من تأثير مباشر في دعم العملات الوطنية وتقوية المراكز المالية.

إنتاج الذهب عالميًا في 2024

ووفقًا للتقرير السنوي الصادر عن مجلس الذهب العالمي، سجل إنتاج الذهب العالمي خلال عام 2024 مستوى تاريخيًا غير مسبوق، متجاوزًا 3,661 طنًا، مدفوعًا بارتفاع الأسعار العالمية وزيادة الاستثمارات الموجهة إلى أنشطة التعدين والتنقيب.

 ورغم اتساع رقعة الإنتاج جغرافيًا، لا تزال السيطرة الفعلية على السوق العالمي محصورة في عدد محدود من الدول الكبرى، أبرزها الصين وروسيا وأستراليا وكندا، التي تستحوذ مجتمعة على الحصة الأكبر من الإنتاج السنوي.

السودان يتصدر المشهد العربي

على الصعيد العربي، تواصل السودان تصدرها لقائمة الدول العربية الأكثر إنتاجًا للذهب، بإنتاج سنوي يتجاوز 80 طنًا، بحسب تقديرات مجلس الذهب العالمي لعام 2024. ويعزى هذا التفوق إلى الانتشار الواسع للمناجم وازدهار أنشطة التعدين الأهلي، التي تمثل رافدًا أساسيًا للاقتصاد السوداني ومصدرًا مهمًا للعملة الصعبة، رغم التحديات الاقتصادية والسياسية التي تواجه البلاد.

موريتانيا في المركز الثاني

وجاءت موريتانيا في المرتبة الثانية عربيًا، بإنتاج يقترب من 21.9 طنًا خلال عام 2024، مدعومة باستثمارات أجنبية قوية في قطاع التعدين، خاصة من شركات دولية متخصصة في التنقيب والاستخراج. وأسهم هذا التوسع في ترسيخ مكانة موريتانيا كأحد اللاعبين الصاعدين في سوق الذهب بالقارة الإفريقية.

مصر ثالثًا.. طموحات توسعية

وحلت مصر في المركز الثالث عربيًا، بإنتاج بلغ نحو 14 طنًا خلال عام 2023، اعتمادًا بشكل رئيسي على منجم السكري في الصحراء الشرقية، والذي يُعد من أكبر مناجم الذهب في العالم. وتعمل الحكومة المصرية على تعزيز هذا القطاع عبر طرح مزايدات عالمية جديدة للتنقيب عن الذهب والمعادن، وتطوير الإطار التشريعي لجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية، في خطوة تستهدف تعظيم الاستفادة من الثروات التعدينية ودعم موارد النقد الأجنبي.

السعودية والمغرب والجزائر

وجاءت السعودية في المركز الرابع عربيًا بإنتاج سنوي يُقدَّر بنحو 13.5 طن، ضمن استراتيجية أوسع لتطوير قطاع التعدين باعتباره أحد محركات رؤية المملكة 2030. بينما حلّت المغرب والجزائر في مراكز متأخرة بإنتاج محدود لا يتجاوز 0.1 طن لكل منهما خلال عام 2024، وفقًا للبيانات الرسمية المتاحة.

الذهب.. ركيزة اقتصادية واعدة

ويرى خبراء الاقتصاد أن قطاع الذهب في الدول العربية يمتلك إمكانات كبيرة غير مستغلة، ويمكن أن يتحول إلى ركيزة أساسية لتنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على القطاعات التقليدية. كما أن التوسع في أنشطة التعدين وتطوير الصناعات المرتبطة بالذهب من شأنه أن يخلق آلاف فرص العمل، ويعزز الاحتياطيات النقدية، ويدعم الاستقرار المالي في ظل التقلبات العالمية المتزايدة.

نقلاً عن : تحيا مصر