يُعد مرض السكري من أكثر الأمراض المزمنة انتشارًا حول العالم، ويؤثر على العديد من وظائف الجسم الحيوية، ومن بين الأعراض أو العلامات التي قد يلاحظها المريض ويثير قلقه هي ظهور «الكدمات المتكررة» على الجلد دون سبب واضح، إذ ترتبط هذه الحالة بعدة عوامل داخلية تتعلق بتأثير السكري على الأوعية الدموية والأنسجة وقدرة الجسم على التئام الجروح، لذلك من المهم فهم الأسباب الدقيقة لهذه الكدمات وكيفية التعامل معها وعلاجها بطريقة آمنة.
تأثير السكري على الأوعية الدموية والجلد
يؤثر السكري بشكل مباشر على الأوعية الدموية الصغيرة في الجسم، حيث يؤدي ارتفاع مستويات السكر في الدم لفترات طويلة إلى إضعاف جدران الأوعية وجعلها أكثر هشاشة، مما يجعلها عرضة للتمزق بسهولة عند التعرض لأي صدمة بسيطة، وهذا بدوره يؤدي إلى ظهور «الكدمات المتكررة» حتى من دون إصابات واضحة، كما أن بطء تجدد الخلايا الجلدية في مريض السكري يجعل الجلد أكثر حساسية وضعفًا أمام أي احتكاك أو ضغط.
بالإضافة إلى ذلك، فإن السكري يضعف قدرة الجسم على إنتاج الكولاجين وهو البروتين المسؤول عن مرونة الجلد وقوته، ومع انخفاض مستويات الكولاجين يصبح الجلد رقيقًا وسهل التضرر، ما يفسر سبب ظهور «كدمات مزمنة» في مناطق متعددة من الجسم خاصة الساقين والذراعين لدى مرضى السكري.
اضطراب الدورة الدموية وتأثيره على الكدمات
من العوامل المهمة أيضًا أن السكري يؤدي إلى اضطراب الدورة الدموية، حيث يتسبب تراكم الجلوكوز في الأوعية بحدوث تضيق يمنع تدفق الدم بشكل طبيعي، وبالتالي يقل وصول الأكسجين والعناصر الغذائية الضرورية إلى الأنسجة، فيحدث ضعف في إصلاح الخلايا بعد أي كدمة، فيبقى أثرها لفترة طويلة قبل أن تختفي، كما أن هذه المشكلة تجعل المريض أكثر عرضة لالتهابات الجلد بسبب ضعف المناعة الموضعية.
دور الأعصاب الطرفية في زيادة الكدمات
تُعرف حالة «الاعتلال العصبي الطرفي» بأنها من أبرز مضاعفات السكري، وهي تؤدي إلى فقدان الإحساس في الأطراف، وهذا يعني أن المريض قد يتعرض لاصطدام أو كدمة دون أن يشعر بالألم، فتتكون الكدمة وتكبر مع الوقت دون أن يلاحظها، ومع تكرار هذه الإصابات تتزايد آثار الكدمات على الجسم، وتُصبح ظاهرة ملحوظة لدى الكثير من المرضى.
نقص الفيتامينات وتأثير الأدوية
من المعروف أن بعض أدوية السكري قد تؤثر على تخثر الدم مثل الأسبرين أو الأدوية المميعة للدم التي تُستخدم للوقاية من الجلطات، وهذه الأدوية تجعل الكدمات أكثر سهولة في الظهور لأنها تمنع تجلط الدم بسرعة، كما أن نقص الفيتامينات مثل فيتامين C وفيتامين K اللذين يساعدان في تقوية الأوعية الدموية يفاقم هذه المشكلة، لذلك يحتاج مريض السكري إلى متابعة غذائه بعناية لتعويض هذه النواقص.
طرق الوقاية والعلاج من الكدمات لدى مرضى السكري
من أهم الخطوات في علاج «الكدمات المتكررة» لدى مريض السكري هو ضبط مستويات السكر في الدم بانتظام، لأن التحكم الجيد بالسكر يقلل من ضعف الأوعية الدموية ويحسن مناعة الجلد، كما يُنصح المريض بتجنب الأنشطة التي قد تسبب له إصابات مباشرة مثل حمل الأشياء الثقيلة أو ممارسة الرياضات العنيفة.
ويُعد «استخدام الكمادات الباردة» فور حدوث الكدمة من الطرق المفيدة لتقليل التورم وتسكين الألم، بينما تُساعد الكمادات الدافئة بعد مرور يومين على تنشيط الدورة الدموية وتسريع زوال الكدمة، كما يُنصح باستخدام الكريمات التي تحتوي على فيتامين K أو خلاصة الأرنكا لما لها من تأثير مهدئ ومساعد في التئام الجلد.
أما في حال استمرار الكدمات لفترات طويلة أو تكرارها في أماكن مختلفة من الجسم دون سبب واضح، فيجب على مريض السكري مراجعة الطبيب المختص لإجراء الفحوص اللازمة، فقد تكون الكدمات مؤشرًا على خلل في الصفائح الدموية أو مشكلة في الكبد، وهما حالتان قد ترافقان مرض السكري في بعض الأحيان.
أهمية التغذية والعناية بالجلد
التغذية الصحية تلعب دورًا كبيرًا في حماية مريض السكري من الكدمات المتكررة، إذ يُنصح بتناول الأطعمة الغنية بفيتامين C مثل الحمضيات والفلفل الأحمر، وكذلك الأطعمة التي تحتوي على الزنك والبروتين لدعم التئام الجروح، كما يجب تجنب الإفراط في تناول السكريات والدهون المشبعة لأنها تُضعف الدورة الدموية وتزيد الالتهابات.
أما بالنسبة للعناية بالجلد، فيُنصح باستخدام «مرطبات طبية» تحافظ على ليونة الجلد وتمنع جفافه، مع ارتداء الملابس الواسعة لتقليل الاحتكاك، ومراقبة أي تغير في لون الجلد أو ظهور بقع زرقاء غير مبررة، لأن التشخيص المبكر لأي تغير جلدي يُساعد في الوقاية من المضاعفات الخطيرة.
متى يجب مراجعة الطبيب
في حال لاحظ المريض أن الكدمات تتكرر بشكل غير طبيعي أو تظهر في أماكن غير معتادة مثل الوجه أو البطن، أو كانت مصحوبة بتورم وألم شديد، فهذه إشارات تستوجب مراجعة الطبيب فورًا، لأن بعض حالات الكدمات قد تكون مرتبطة باضطرابات في الدم، خصوصًا إذا كان المريض يعاني من السكري منذ فترة طويلة أو يتناول أدوية مميعة للدم.
ظهور الكدمات المتكررة لدى مريض السكري لا يجب إهماله، لأنه يعكس تأثر الأوعية الدموية والأعصاب بالمرض، ولأن الوقاية والعلاج يبدأان من «التحكم الجيد بمستوى السكر في الدم» واتباع نمط حياة صحي ومتوازن، مع المراقبة المستمرة لأي أعراض جديدة، فذلك يُساعد في الحفاظ على صحة الجلد والحد من المضاعفات التي قد تؤثر على جودة الحياة لدى مرضى السكري.
نقلاً عن : القارئ نيوز
