يُعد «النقرس» من أكثر الأمراض شيوعًا في العالم، وهو لا يقتصر فقط على ألم المفاصل كما يظن البعض، بل يمتد تأثيره إلى العديد من أجهزة الجسم، مما يجعله مرضًا يحتاج إلى وعي صحي كبير ومتابعة دقيقة، فمرض «النقرس» يُعرف بأنه نوع من التهابات المفاصل الناتجة عن ارتفاع مستوى حمض اليوريك في الدم، ما يؤدي إلى تكون بلورات حادة في المفاصل والأنسجة المحيطة بها، مسببة التهابات شديدة وألمًا لا يُحتمل، إلا أن خطر «النقرس» لا يتوقف عند هذا الحد بل يتعداه ليؤثر على القلب والكلى والجهاز الهضمي والتمثيل الغذائي.
ما هو مرض «النقرس» وكيف يظهر
يحدث «النقرس» عندما يعجز الجسم عن التخلص من حمض اليوريك الزائد في الدم، فيتراكم في صورة بلورات دقيقة تشبه الإبر داخل المفاصل أو حولها، وغالبًا ما تظهر أعراضه في مفصل إصبع القدم الكبير الذي يتورم ويصبح ساخنًا ومؤلمًا للغاية، كما يمكن أن تصيب هذه البلورات مفاصل الكاحل أو الركبة أو الكف أو الرسغ، وتشير الدراسات إلى أن الرجال أكثر عرضة للإصابة بـ «النقرس» من النساء، خاصة بعد سن الأربعين، بينما ترتفع نسبة إصابة النساء به بعد انقطاع الطمث بسبب انخفاض مستوى هرمون الإستروجين الذي يساعد على التخلص من حمض اليوريك.
أسباب الإصابة بمرض «النقرس»
ترتبط الإصابة بـ «النقرس» بعوامل متعددة أهمها النظام الغذائي غير الصحي، فالإفراط في تناول اللحوم الحمراء والمأكولات البحرية الغنية بالبيورينات يؤدي إلى زيادة إنتاج حمض اليوريك، كما أن المشروبات الكحولية والمشروبات الغازية الغنية بالسكر تساهم في تفاقم الحالة، إضافة إلى أن بعض الأمراض المزمنة مثل ارتفاع ضغط الدم والسمنة وداء السكري تزيد من احتمال الإصابة بالمرض، كذلك تلعب الوراثة دورًا في نقل القابلية للإصابة بـ «النقرس» من جيل إلى آخر، كما أن قلة شرب الماء وسوء نمط الحياة يجعلان الجسم غير قادر على التخلص من السموم بكفاءة.
أعراض «النقرس» وأثره على الحياة اليومية
تتراوح أعراض «النقرس» بين آلام خفيفة ونوبات حادة تعيق الحركة تمامًا، حيث يشعر المريض بألم مفاجئ وشديد خاصة في الليل، ويصاحبه احمرار وانتفاخ في المفصل المصاب، ومع تكرار النوبات تتزايد شدة الألم ويبدأ المفصل في التشوه أو الفقد الجزئي للقدرة على الحركة، كما أن «النقرس» لا يقتصر على المفاصل فقط بل يسبب الإرهاق العام وفقدان الشهية والشعور بالغثيان، وفي الحالات المتقدمة قد تتكون كتل صلبة تحت الجلد تُعرف باسم التوفات، وهي عبارة عن تجمعات من بلورات حمض اليوريك تؤثر على شكل المفصل وتعيق حركته.
«النقرس» وتأثيره على الكلى والقلب
من أخطر ما في «النقرس» أنه لا يكتفي بإصابة المفاصل بل يؤثر بشكل مباشر على الكلى، حيث تتجمع بلورات حمض اليوريك في الجهاز البولي مسببة حصوات الكلى التي تؤدي إلى ألم شديد ومشكلات في التبول، كما أن ارتفاع مستوى حمض اليوريك يرتبط بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والشرايين، إذ يسبب التهابات مزمنة تؤدي إلى تصلب الشرايين وضعف تدفق الدم، وتشير الدراسات إلى أن مرضى «النقرس» معرضون أكثر من غيرهم للإصابة بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية إذا لم يتم التحكم في المرض والسيطرة على مستوياته في الجسم.
تشخيص «النقرس» وطرق علاجه
يعتمد تشخيص «النقرس» على الفحص السريري وتحليل مستوى حمض اليوريك في الدم، إضافة إلى فحص سائل المفصل للتأكد من وجود البلورات، ويشمل العلاج استخدام أدوية مضادة للالتهابات لتخفيف الألم أثناء النوبات، وأدوية أخرى تساعد على خفض إنتاج حمض اليوريك أو زيادة طرحه من الجسم، كما يلعب تعديل النظام الغذائي دورًا أساسيًا في العلاج، حيث يجب تجنب «الأطعمة» الغنية بالبيورين مثل الكبد والكلى واللحوم الحمراء وبعض أنواع الأسماك، إلى جانب الإكثار من تناول الماء والخضروات والفواكه، وممارسة الرياضة بانتظام لتحسين الدورة الدموية وتقليل الوزن الزائد.
نمط حياة صحي للوقاية من «النقرس»
الوقاية من «النقرس» تبدأ من تبني أسلوب حياة صحي، فشرب كميات كافية من الماء يوميًا يساعد على تخليص الجسم من حمض اليوريك، كما يُفضل تناول وجبات خفيفة ومتوازنة تحتوي على الحبوب الكاملة والبقوليات بدلاً من اللحوم الحمراء، ويجب التقليل من تناول المشروبات الغازية والمصنعة، وتجنب التدخين لأنه يزيد من التهابات الجسم، كما أن الحفاظ على وزن صحي يقلل من الضغط على المفاصل ويحد من تراكم الأحماض في الدم، وينصح الأطباء بالمداومة على الفحوصات الدورية لمستوى حمض اليوريك لتجنب تفاقم المرض.
النقرس ليس مجرد ألم بل إنذار مبكر
إن «النقرس» ليس مجرد مرض يصيب المفاصل بل هو مؤشر على خلل داخلي في عملية التمثيل الغذائي وتوازن الجسم، ولذلك يُعتبر الإنذار الأول لضرورة تصحيح العادات الغذائية والسلوكية، فكل نوبة من نوبات «النقرس» هي رسالة من الجسم تطلب العناية الفورية، لأن تجاهلها قد يؤدي إلى مضاعفات لا تُحتمل مثل الفشل الكلوي أو أمراض القلب المزمنة، ومن هنا تأتي أهمية التشخيص المبكر والمتابعة الطبية المنتظمة، فالعلاج في المراحل الأولى يحقق نتائج ممتازة ويمنع تدهور الحالة.
يبقى «النقرس» خطرًا صامتًا يهدد الصحة العامة إذا لم يُعالج بجدية، فهو لا يقتصر على ألم المفاصل بل يمتد إلى الكلى والقلب والأوعية الدموية، لذلك من المهم نشر الوعي بأعراضه وأسبابه وتشجيع الناس على اتباع نمط حياة صحي يقلل من مخاطره، فالحفاظ على التوازن الغذائي وشرب الماء وتجنب الأطعمة الضارة كفيل بأن يجنّب الإنسان الكثير من الألم والمعاناة التي يسببها «النقرس».
نقلاً عن : القارئ نيوز
