أكد الدكتور علي الإدريسي، الخبير الاقتصادي، أن صفقة تطوير منطقة “علم الروم” البالغة قيمتها 29 مليار دولار تمثل واحدة من أضخم الاستثمارات الأجنبية المباشرة في تاريخ مصر، مشيرًا إلى أنها تعكس ثقة المستثمرين الإقليميين والدوليين في قوة وجاذبية الاقتصاد المصري.
وأوضح الإدريسي فى تصريح خاص لموقع “تحيا مصر“، أن المشروع سيكون رافدا أساسيا في دعم برنامج الدولة لجذب رؤوس الأموال العربية والأجنبية، ومن شأنه أن يرفع صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر (FDI) بصورة ملحوظة خلال العامين المقبلين، بما يسهم في تحسين التصنيف الائتماني لمصر وزيادة ثقة المؤسسات المالية الدولية في أدائها الاقتصادي.
وأضاف أن المشروع لا يعد مجرد استثمار عقاري أو سياحي، بل منصة استراتيجية لتنمية الاقتصاد المصري، إذ سيؤدي إلى تنشيط قطاعات محلية متعددة، أبرزها المقاولات ومواد البناء والخدمات اللوجستية والمالية، كما سيعتمد على شركات مصرية في التنفيذ، ما يعزز سلاسل القيمة المحلية ويوفر فرصًا ضخمة للقطاع الخاص.
وأشار الإدريسي إلى أن نجاح الشراكة القطرية المصرية بعد فترة من الترقب سيشجع مستثمرين خليجيين آخرين على دخول السوق المصرية خلال عامي 2026 و2027، مؤكدًا أن المشروع يمثل نقطة تحول في تدفق رؤوس الأموال طويلة الأجل داخل مصر.
تحويل الساحل الشمالي إلى وجهة سياحية عالمية
أوضح الإدريسي أن مشروع “علم الروم” سيُحدث نقلة نوعية في قطاع السياحة المصري، متوقعًا أن يتحول إلى وجهة سياحية دولية جديدة على مستوى البحر المتوسط، بمستوى ينافس مشروعات عالمية مثل نيوم في السعودية أو العُلا والعلمين الجديدة في مصر.
وأشار إلى أن المشروع سيستقطب سلاسل فنادق عالمية كبرى بفضل حجمه وضخامته، خاصة العلامات الخليجية والأوروبية التي تبحث عن مواقع جديدة على المتوسط. كما سيُضاعف الطاقة الاستيعابية للسياحة الفاخرة، ويزيد الإيرادات بالعملة الصعبة مع تمديد موسم السياحة على مدار العام.
وأضاف أن المشروع سيسهم في تنشيط الاستثمار العقاري السياحي، ويفتح الباب أمام شراكات بين القطاعين العام والخاص لتطوير مناطق ترفيهية وتجارية، بما يعزز مكانة الساحل الشمالي كأحد أهم مراكز الجذب السياحي والاستثماري في الشرق الأوسط.
أثر مباشر على استقرار سعر الصرف وزيادة الاحتياطي النقدي
توقع الإدريسي أن يترك ضخ 29 مليار دولار من العملة الأجنبية عبر هذه الصفقة أثرًا فوريًا على استقرار سعر صرف الجنيه المصري، خاصة إذا تم تحويل جزء من الاستثمارات عبر القنوات الرسمية للبنك المركزي أو الصندوق السيادي المصري.
وأوضح أن دخول الدفعات الأولى من الاستثمارات خلال 2025–2026 سيؤدي إلى زيادة الاحتياطي النقدي الأجنبي، وتعزيز ثقة الأسواق، وتقليل الضغوط على سعر الصرف. كما سيسهم ذلك في تحسين التصنيف الائتماني السيادي لمصر بفضل ارتفاع قدرتها على الوفاء بالتزاماتها الخارجية وتراجع حاجتها إلى الاقتراض الخارجي المكثف.
وأكد أن المشروع يمكن أن يعمل بمثابة “صمام أمان نقدي” للاقتصاد المصري، من خلال توفير سيولة دولارية مستقرة تدعم مرونة الدولة في إدارة تمويلاتها ومشروعاتها المستقبلية.
1.7 مليون فرصة عمل جديدة
بحسب التقديرات الدولية لمنظمة السياحة العالمية والبنك الدولي، أوضح الإدريسي أن كل مليون دولار من الاستثمارات السياحية يمكن أن يوفر ما بين 40 و60 فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة.
وبناءً على ذلك، فمن المتوقع أن يخلق مشروع “علم الروم” ما بين 1.1 إلى 1.7 مليون فرصة عمل خلال مراحل التنفيذ والتشغيل، تشمل المهندسين والفنيين والعمالة الإنشائية وموظفي الفنادق والخدمات التجارية والترفيهية.
وأكد الإدريسي أن هذه الفرص ستسهم في خفض معدلات البطالة بالمحافظات الساحلية، وتدعم برامج الدولة في توطين العمالة وتأهيلها بالتعاون مع معاهد السياحة والفنادق، مما يضمن استدامة النمو الاقتصادي والاجتماعي في المنطقة.
تعزيز موارد الدولة وإدارة الدين الخارجي
أشار الإدريسي إلى أن هذا النوع من المشروعات العملاقة يُعد أداة غير مباشرة لإدارة الدين الخارجي، إذ ستوفر الإيرادات الدولارية المنتظمة من مبيعات الأراضي والأنشطة السياحية والعقارية مصادر تمويل جديدة تدعم قدرة الدولة على سداد التزاماتها الخارجية.
وأوضح أن زيادة العائدات الضريبية ورسوم المرافق والخدمات الناتجة عن المشروع ستخفف من الضغوط على الموازنة العامة، كما سيؤدي نجاح المشروع إلى تحسين نظرة المؤسسات الدولية للاقتصاد المصري، ما يُسهم في خفض تكلفة الاقتراض مستقبلاً.
وأشار إلى أن الحكومة يمكنها إعادة توجيه جزء من عوائد المشروع لسداد فوائد الديون أو إعادة تمويلها بشروط أفضل، مؤكدًا أن مشروع “علم الروم” يمثل استثمارًا استراتيجيًا طويل الأجل يهدف إلى تعزيز الموقف المالي والنقدي للدولة المصرية.
خطة تنفيذ تمتد لعقد من الزمن
وبيّن الإدريسي أن مدة تنفيذ المشروع تقدر ما بين 7 إلى 10 سنوات على مراحل متتابعة، تبدأ بالمرحلة الأولى التي تمتد من 3 إلى 4 سنوات وتشمل البنية التحتية والطرق والمرافق الأساسية، ثم المرحلتين الثانية والثالثة حتى عام 2035 لاستكمال المشروعات السياحية والترفيهية والمراكز التجارية والخدمات الذكية.
واختتم الخبير الاقتصادي تصريحاته بالتأكيد على أن مشروع “علم الروم” يمثل تحولًا استراتيجيًا في مسار الاقتصاد المصري، وسيكون نموذجًا يُحتذى به في الشراكات الاستثمارية الكبرى التي تجمع بين الدولة والقطاع الخاص والمستثمرين العرب والدوليين لتحقيق تنمية مستدامة طويلة الأمد.
نقلاً عن : تحيا مصر
