أصبح التعليم الفني خلال السنوات الأخيرة مساحة حقيقية لاكتشاف المواهب وصناعة قصص النجاح، إذ أثبت طلابه أنهم قادرون على الإبداع، ومواكبة احتياجات سوق العمل، فمن داخل الورش والمعامل، خرجت أفكار واعدة ومشروعات طموحة نُفذت بأيدٍ شابة، لتنافس في الواقع العملي وتخدم المجتمع بطرق ملموسة.
ومع تطور منظومة التعليم الفني والدعم المتواصل من الدولة، بدأنا نلمس قصص نجاح مبهرة لطلاب هذه المدارس، ممن حولوا أفكارهم إلى مشروعات حقيقية، وحققوا من خلالها خطوات واثقة في مجالات متنوعة، وبدؤوا مسارات مهنية ناجحة رغم حداثة أعمارهم.
الطالب عمر أحمد محمد
من بين هذه النماذج المتميزة، يبرز اسم الطالب عمر أحمد محمد، أحد خريجي المدرسة الفنية المتقدمة بنظام الخمس سنوات بمدينة السادس من أكتوبر – قسم السيارات، الذي نجح مع زملائه في تنفيذ مشروع تخرج فريد من نوعه، تمثل في تحويل سيارة تعمل بالبنزين إلى سيارة كهربائية، في خطوة تعكس وعيًا حقيقيًا بالتطورات العالمية وحرصًا على تقديم حلول بديلة صديقة للبيئة.
الطالب عمر أحمد
ولم يتوقف طموح عمر عند حدود هذا المشروع، بل استثمر مهاراته العملية في افتتاح مركز صيانة خاص به للسيارات، وذلك بالتوازي مع تفوقه الدراسي، حيث يواصل حاليًا دراسته في كلية التكنولوجيا والتعليم بجامعة حلوان.
عمر خلال مشاركته في تنفيذ مشروع السيارة الكهربائية
في حديثه لـ”اليوم السابع”، قال عمر إنه كان من الطلاب الأوائل في الشهادة الإعدادية على مستوى المحافظة، حيث حصل على 273 درجة من أصل 280، وهو مجموع كان يُؤهله للالتحاق بالثانوي العام، إلا أنه فضّل التعليم الفني عن قناعة شخصية وحب حقيقي للمجال، وثقة في مستقبله المهني.
تكريم وكيل وزارة التربية والتعليم بالجيزة للطلاب المتفوقين
وأوضح أنه اختار قسم السيارات بناءً على رغبته الشخصية، رغم أن مجموعه المرتفع كان يتيح له دخول أقسام أخرى داخل المدرسة، إلا أن شغفه الكبير بعالم السيارات كان الدافع الأساسي لاختياره.
عمر خلال مشاركته في تنفيذ مشروع التخرج بالمدرسة
وأشار إلى أن شغفه بالسيارات بدأ منذ المرحلة الابتدائية، حين كان يراقب والده وهو يُصلح سيارته، ويتابع خطواته باهتمام كبير، وهو ما جعله يتعلق بهذا المجال ويضعه هدفًا لحياته الدراسية والمهنية.
وأكد عمر أن أسرته دعمته في قرار الالتحاق بالتعليم الفني، قائلًا: “أسرتي قالت لي: نحن معك فيما تختاره وتحبّه، ورغم أن مجموعي كان يؤهلني للالتحاق بقسم أعلى، فإنني كتبت قسم السيارات كرغبة أولى، لأنني كنت مؤمنًا بأنني سأنجح في المجال الذي أحبّه. حتى أصدقائي التحقوا بنفس المدرسة”.
طلاب المدرسة خلال تنفيذ مشروع السيارة الكهربائية
وعن تجربته في التعليم الفني، أوضح عمر أن المنظومة لا تعتمد فقط على الدراسة النظرية، بل تولي اهتمامًا كبيرًا بالجوانب العملية، وهو ما أتاح له التهيئة المبكرة لسوق العمل. قائلًا: “منذ الصف الثاني الثانوي بدأت إدارة مركز صيانة خاص بي، أي منذ نحو خمس سنوات، واليوم، معظم زملائي يمتلكون ورشًا ومراكز صيانة بعد تخرجهم”.
كما أشار إلى مشاركته المستمرة في المسابقات منذ التحاقه بالمدرسة، حيث كانت أول مشاركة له في مسابقة “المبتكر الصغير” التي نظمتها وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني، وحصل فيها على المركز الثالث على مستوى الجمهورية بعد تنفيذ تطبيق إلكتروني لحماية البيئة.
فريق عمل مشروع السيارة الكهربائية في المدرسة الفنية المتقدمة بمدينة 6 أكتوبر
ثم شارك في مبادرة ضد التدخين، وحصل مع زميلته على المركز الأول على مستوى الجمهورية. لاحقًا، شارك في مسابقة World Skills وحقق المركز الثالث على مستوى الجمهورية بعد اجتياز عدة اختبارات مهارية.
عمر خلال تكريمه
وأضاف: “التحقت بالتعليم الفني لأنني أحب هذا المجال، وبخاصة السيارات، وحتى بعد التخرج تم تكريمي من شركة سيارات في الصين، بعد أن تمكنت من اكتشاف عيب تصنيع في أحد الطرازات الحديثة، وقمت بتعديله، وهو ما لاقى استحسان الشركة الأم، التي أرسلت لي رسالة شكر وجائزة تقديرًا لمجهودي”.
مراحل العمل على السيارة الكهربائية داخل المدرسة
مشروع التخرج الذي نفذه عمر وزملاؤه كان بمثابة نقلة نوعية، حيث عملوا على تحويل سيارة تالفة إلى سيارة كهربائية صالحة للاستخدام داخل المدن. ويقول: “بدأنا بسيارة خردة تمامًا، أعدنا تدويرها بالكامل، وحولناها إلى سيارة كهربائية بتكلفة تشغيل منخفضة، إذ يمكنها السير 100 كم مقابل نحو 15 جنيهًا فقط من تكلفة الكهرباء، ويمكن شحنها من الشارع أو من المنزل سواء شحنًا بطيئًا في ساعتين أو شحنًا سريعًا خلال نصف ساعة”.
عمر أحمد خلال تنفيذ مشروع السيارة
وأوضح أن المشروع شارك فيه نحو 60 طالبًا، ونُفّذ خلال ثمانية أشهر، بتكلفة إجمالية بلغت نحو 150 ألف جنيه، مشيرًا إلى أنه يُعد أكبر مشروع منفّذ على مستوى مدارس التعليم الفني في مصر، وقد كُرّم عليه من قِبل وكيل وزارة التربية والتعليم بمحافظة الجيزة.
السيارة خلال تنفيذ المشروع
وأكد عمر أن تكريمه من قبل مديرية التربية والتعليم لم يكن فقط بسبب مشروع التخرج، بل أيضًا لاكتشافه عيب تصنيع في سيارة موديل 2022/2023، تمكن من تعديله، ما دفع الشركة الصينية المصنعة إلى تقديم الشكر له رسميًا.
وأوضح: “السيارة كانت تُعاني من عيب في ناقل الحركة (الفيتيس)، وقد استطعت اكتشاف المشكلة وتقديم حل مناسب لها”.
السيارة الكهربائية بعد التنفيذ
وقال إنه بدأ العمل في الورش ومراكز الصيانة منذ أن كان في الصف الثالث الإعدادي، وهو ما منحه خبرة عملية كبيرة، ساعدته في تطبيق ما يتعلمه نظريًا على أرض الواقع، مضيفًا: “اليوم أقوم بإجراء صيانة كاملة للسيارات داخل مركزي الخاص، وحلمي أن يصبح هذا المركز أكبر مركز صيانة سيارات في العالم”.
واختتم عمر حديثه بالتأكيد على أن التعليم الفني يمثل وسيلة حقيقية لإعداد الشباب وتأهيلهم لسوق العمل، قائلًا: “نحن نكسر الصورة النمطية السلبية عن التعليم الفني من خلال إنجازاتنا، ومشروعاتنا، والنجاحات التي نحققها في الواقع”.
نقلاً عن : اليوم السابع