التخطي إلى المحتوى

تسعى الحكومة الفرنسية إلى اعتماد قانون جديد للهجرة مع بداية عام 2025، وفي هذا السياق أعلنت المتحدثة باسم الحكومة الفرنسية مود بريجون نية السلطة التنفيذية تقديم هذا القانون، مما أثار موجة من الاستياء في صفوف اليسار. فما تفاصيل هذا القانون الجديد؟ وهل يعد خطوة تطمينية لمارين لوبن وأعضاء حزب “التجمع الوطني” الذين هددوا بعدم التصويت لمصلحة الموازنة؟

في الأثناء يأتي هذا الإعلان بعد أقل من عام على إقرار القانون السابق المتعلق بالهجرة واللجوء الذي حصل على غالبية نسبية في الجمعية الوطنية، إذ استطاع معسكر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تمريره بفضل امتناع نواب حزب “التجمع الوطني” اليميني المتطرف بقيادة مارين لوبن عن التصويت.

تمديد احتجاز الأجانب إلى 210 أيام

ويشير وزير الداخلية برونو روتايلو إلى أن الفرنسيين منقسمون حول عدد من القضايا، إلا أنهم يتفقون بصورة كبيرة على ضرورة استعادة السيطرة على تدفقات الهجرة خصوصاً الهجرة غير النظامية. ولتحقيق هذا الهدف يخطط الوزير لتقليل الحقوق الاجتماعية للمهاجرين بهدف جعل البلاد أقل “استقطاباً” للمهاجرين.

وكذلك يعتزم تمديد الحد الأقصى لفترة الاحتجاز الإداري للأجانب “الخطرين”، إذ يتضمن النص الجديد لقانون الهجرة اقتراحاً يهدف إلى “تسهيل تمديد فترة احتجاز الأجانب الذين يوجدون بصورة غير قانونية والمصنفين بأنهم ’خطرون‘ في مراكز الاحتجاز”.

ووفقاً للمتحدثة باسم الحكومة مود بريجون ستتم زيادة مدة الاحتجاز من “90 يوماً كحد أقصى، كما هو معمول به حالياً”، إلى “210 أيام”.

ويخطط الوزير أيضاً لتشديد شروط لم الشمل العائلي، مؤكداً أن رغبته هي ألا تكون فرنسا أكثر جاذبية في مجال الهجرة مقارنة ببقية دول أوروبا.

وتسعى الحكومة أيضاً من خلال هذا المقترح إلى تعديل مرسوم “فالس” الذي صدر عام 2012 تحت إشراف وزير الداخلية السابق مانويل فالس للحد من تسوية الأوضاع لأسباب عائلية فحسب، مما قد يؤثر في عدد كبير من المهاجرين الذين يعتمدون على هذا المرسوم لتسوية أوضاعهم القانونية في فرنسا.

إضافة إلى ذلك سيتضمن النص الجديد بعض المواد التي كانت أدرجت في مشروع القانون السابق لكنها قوبلت بالرفض من قبل المجلس الدستوري. وأكدت مود بريجون أن الحكومة تنوي إدخال مادة جديدة تهدف إلى تسوية أوضاع الأجانب الذين يعملون بصورة غير قانونية في القطاعات التي تعاني نقصاً في اليد العاملة.

ضغوط اليمين المتطرف وقلق اليسار

يبدو أن تأثير اليمين المتطرف بلغ درجة كبيرة وفقاً لما يراه عديد من قادة اليسار، فقد عبر أوليفييه فور السكرتير الأول للحزب الاشتراكي في تصريح عن رأيه قائلاً “تسعى الحكومة الجديدة بالفعل إلى مراجعة القانون، بهدف تقديم بعض التطمينات لمارين لوبن وحزب ’التجمع الوطني‘”.

وفي هذا الإطار، أجرت “اندبندنت عربية” حواراً مع المحلل السياسي نبيل شوفان الذي أشار إلى أن “القانون الجديد للهجرة الذي تضغط حكومة ميشال بارنييه لإصداره مطلع العام المقبل بعد عام واحد فقط من مشروع قانون الهجرة الأخير، الذي شهد انقسامات حادة في البرلمان وداخل ائتلاف الرئاسة وكسر حينها الغالبية الرئاسية من المرجح أن يؤدي إلى تحطيم التحالف بين الماكرونيين واليمين”.

ويرى شوفان أن “إبقاء مسألة الهجرة عرفاً عند أية حكومة يمينية جديدة، وتكرار التشكيك في حقوق الأرض وفرض معايير جديدة صارمة تشمل كل المهاجرين لدى كل وزير داخلية جديد قادم من اليمين وأقصاه، يجعل السياسيين يبتعدون من الفلسفة الحقيقة للهجرة في فرنسا، ويقتربون شيئاً فشيء إلى عمق نظرية تقول إن فرنسا لم تستطع استيعاب المهاجرين، أو إنها كيان يرفض اندماج الآخر وهذا غير صحيح باعتقاد من يعتقد أن فكرة المواطنة تتعلق أولاً بأن تكون حاملاً لقيم فرنسا بزاويتها العالمية والديمقراطية لا من زاوية هوياتية”.

ويشدد المحلل السياسي على أن المخاوف لا تكمن في إعادة تنظيم مسألة الهجرة المتجذرة في مبادئ الجمهورية والمتوافقة مع مصالحها، بل في القلق من أن الحكومة الجديدة تعمل تحت ضغط اليمين المتطرف، لتجنب تصويتهم ضد الموازنة. هذا بحسب اليسار الذي بدأ بالفعل التنديد بما يعده “هدية” مقدمة إلى أقصى اليمين.

ويتساءل البعض، هل نحن في حاجة إلى قانون جديد للهجرة؟ أم أن هذا القانون الجديد مجرد شرط لتمرير موازنة لا تحظى بشعبية؟ من جهته انتقد بنوا هامون المرشح الاشتراكي للرئاسيات عام 2017 ومدير منظمة “سينجا” غير الحكومية التي تعمل على الإدماج المهني للاجئين والمهاجرين إثارة موضوع الهجرة، معتبراً أن التقشف في الموازنة سيدمر الخدمات العامة والوظائف في فرنسا، ومن ثم ينبغي البحث عن كبش فداء.

وبناء على ما يتضمنه القانون الجديد من مسائل مثل تجريم الإقامة غير القانونية وتشديد شروط الحصول على المزايا الاجتماعية للأجانب وإصلاح الخدمات الطبية الحكومية عبر تقليص الفئات المستفيدة منها، إضافة إلى تقييد لم شمل الأسرة وتشديد شروط الحصول على الجنسية من طريق الزواج، والإلغاء الجزئي لقانون الأرض أي عدم اكتساب الجنسية بالولادة على أرض فرنسا بالنسبة إلى الأطفال الذين لديهم سجل إجرامي أو الذين كان آباؤهم في وضع غير قانوني عند ولادتهم، يؤكد المحلل السياسي نبيل شوفان أن كل ذلك ينذر بنقاشات ساخنة قد نشهدها داخل تحالف متوتر، وداخل البرلمان المنقسم برمته وفي فرنسا بصورة عامة.

ويقول شوفان “هناك أسئلة تطرح حول ما إذا كانت الهجرة تشكل مشكلة بحد ذاتها، أم أن المشكلة في عدد المهاجرين أو في قدرة فرنسا على استيعابهم، أم في مسألة الاندماج. هل يعد المهاجرون فرصة لفرنسا أم تهديداً؟ أم “آفة” كما وصفها جان ماري لوبان مؤسس حزب “الجبهة الوطنية” الذي تتزعمه اليوم ابنته مارين لوبن؟”. ويشير شوفان إلى أن جان ماري لوبان كان أول من اقترح إصلاح قانون الجنسية كجزء من دعاية انتخابية أطلقها خلال الثمانينيات، إذ حول النقاشات حول المهاجرين غير الشرعيين إلى الحديث عن “السكان الأجانب” الذين يمثلون بحسبه تهديداً للهوية الوطنية. ومن هنا جاءت فكرة قانون إلغاء اكتساب الجنسية تلقائياً بالولادة على الأراضي الفرنسية.

التشريعات المتراكمة

زعيم نواب حزب ماكرون، غابريال أتال، أكد أن سن قانون جديد لمجرد التشريع ليس أولوية ملحة خلال الوقت الراهن. وتعبر هذه التصريحات عن موقفه الرافض للتسرع في وضع قوانين جديدة من دون إجراء دراسة دقيقة للواقع الحالي، إذ يشدد أتال على ضرورة أن يكون لكل قانون جديد هدف واضح ومحدد، بدلاً من الاكتفاء بزيادة عدد القوانين. ويشير إلى أن التشريعات التي لا تستند إلى تقييم شامل للوضع قد تكون غير فعالة، وربما غير ضرورية إذا لم تعالج مشكلات حقيقية.

وفي المقابل انتقدت رئيسة مجموعة الإيكولوجيين في الجمعية الوطنية سيريال شاتلان تراكم القوانين منذ عام 1945، إذ أشارت إلى أن هذه القوانين لم تسهم في حل مشكلات الهجرة بصورة فعالة، بل أدت إلى تفاقم معاناة كثيرين. ونبهت شاتيلان أيضاً إلى أن التجمع الوطني المعروف بمواقفه اليمينية المناهضة للهجرة، قادر على فرض رقابة على الحكومة في ظل غياب الغالبية المطلقة في البرلمان.

وتدعم هذه النقطة إحصاءات من متحف تاريخ الهجرة، إذ اعتمد 32 قانوناً يتعلق بالهجرة والأجانب منذ عام 1980. ويعكس هذا العدد استمرار الجهود التشريعية لمعالجة هذه القضية على رغم أن النتائج الفعلية ما زالت محل جدل.

وفي هذا السياق أشارت صحيفة “لوموند” عبر مراجعتها للتشريعات الـ118 المتعلقة بالهجرة منذ عام 1945 إلى أن وزراء الداخلية كثيراً ما سعوا إلى ترك بصماتهم في هذا المجال، وكان لكل من شارل باسكوا ونيكولا ساركوزي النصيب الأكبر من النشاط.

وخلال نوفمبر (تشرين الثاني) 2003 تمكن وزير الداخلية في عهد جاك شيراك الذي كان في بداية ولايته الثانية، من تمرير أول قانون له في شأن الهجرة. وشدد هذا القانون شروط دخول الأجانب إلى فرنسا وإقامتهم فيها، إذ تم تمديد فترة الاحتجاز إلى 32 يوماً بدلاً من 12 يوماً.

وبعد شهر صدر قانون فيلبان (وزير الداخلية آنذاك) في شأن اللجوء، وهدف هذا القانون إلى تقليص مدة دراسة طلبات اللجوء إذ أصبح لدى مقدمي الطلبات 21 يوماً فقط لتقديم طلباتهم بدلاً من شهر واحد سابقاً، ويجب أن يتم ذلك باللغة الفرنسية.

وخلال يوليو (تموز) 2006، اعتمد قانون ساركوزي الثاني في شأن الهجرة وصادق عليه المجلس الدستوري. وقد ألغى هذا القانون إمكانية التسوية التلقائية للإقامة بعد 10 أعوام من الإقامة في فرنسا، والتي كانت سارية منذ عام 1984، وشدد شروط لم الشمل العائلي إذ تم تمديد فترة الإقامة المطلوبة لتقديم طلب لم الشمل إلى 18شهراً مقارنة بـ12 شهراً في السابق، وألزم أزواج المواطنين الفرنسيين بالعودة إلى بلادهم لتقديم طلب للحصول على تأشيرة إقامة طويلة.

وخلال نوفمبر 2007 أضيف قانون خامس إلى الترسانة التشريعية، وكان نيكولا ساركوزي رئيساً للجمهورية أثناء ذلك الوقت، وقام وزير داخليته بريس هورتيفو بتشديد القيود المفروضة على لم الشمل العائلي من طريق إخضاع المتقدمين لاختبار معرفة اللغة الفرنسية وقيم الجمهورية.

استياء وانتقادات حادة

ومن جهتها أعربت المنظمات غير الحكومية عن استيائها تجاه التصريحات الحكومية. واستنكرت الرئيسة الحالية لمنظمة “فرنسا أرض الإنسان” نجاة فالو بلقاسم تصريحات برونو ريتيللو مشددة على أن “حديثه الدائم عن ’الجمهورية‘ يتناقض مع أفعاله”. وعدت أن تصرفاته تضر بالقيم الجمهورية وتخون المبادئ التي تمثلها فرنسا في مجال حقوق الإنسان.

وفي السياق نفسه عبر بينوا هامون مدير منظمة “سينغا” غير الحكومية التي تركز على إدماج اللاجئين والمهاجرين في سوق العمل عن أسفه من التقشف في الموازنة، مشيراً إلى أن هذا التقشف سيؤدي إلى تدمير الخدمات العامة والوظائف في فرنسا، معتبراً أن هذه السياسات قد تؤدي إلى البحث عن “كبش فداء” مما يزيد من معاناة الفئات الأكثر ضعفاً في المجتمع.

وفي ظل الضغوط المتزايدة من اليمين المتطرف تسعى الحكومة إلى إصدار قانون جديد للهجرة بحلول عام 2025، مما يثير تساؤلات حول مدى فعالية هذه الخطوة. وفي ضوء الانتقادات من الأحزاب اليسارية والمنظمات غير الحكومية يخشى كثر أن يؤدي هذا القانون إلى تفاقم المشكلات الحالية بدلاً من حلها، مما قد يزيد من الانقسام والتوتر السياسي داخل فرنسا.

نقلاً عن : اندبندنت عربية