التخطي إلى المحتوى

بعد أن هدّد الذكاء الاصطناعي التوليدي بإحلال البشر في العديد من القطاعات، يبدو أنه بدأ الآن يستهدف المنصات الإلكترونية نفسها، إذ تشهد ويكيبيديا انخفاضاً حاداً في عدد الزيارات، مع تزايد اعتماد المستخدمين على ChatGPT وملخصات الذكاء الاصطناعي في جوجل للحصول على المعلومات.
ووفقاً لتدوينة جديدة كتبها مارشال ميلر من مؤسسة ويكيبيديا ، فقد تراجعت الزيارات البشرية لصفحات ويكيبيديا بنسبة 8% خلال الأشهر الأخيرة مقارنة بالفترة نفسها من عام 2024، وقد ظهرت هذه الظاهرة المقلقة بعد أن كشفت أنظمة اكتشاف الروبوتات في ويكيبيديا أن “جزءاً كبيراً من الزيارات المرتفعة بشكل غير معتاد خلال شهري مايو ويونيو كان مصدره روبوتات صُممت خصيصاً لتفادي الرصد.”

وغالباً ما تُوصف ويكيبيديا بأنها “آخر موقع جيد” في عالم الإنترنت الذي بات يعجّ بمحتوى مواقع التواصل الاجتماعي السامّ ومخرجات الذكاء الاصطناعي الرديئة، لكن يبدو أن الموسوعة الإلكترونية لم تسلم تماماً من هذه الموجة، وتعمل المؤسسة على التمييز بين الزيارات القادمة من البشر وتلك الصادرة عن الروبوتات، ويشير ميلر إلى أن الانخفاض في الزيارات خلال “الأشهر الماضية” ظهر بوضوح بعد تحديث أنظمة اكتشاف الروبوتات في ويكيبيديا.

لماذا تنخفض حركة الزيارات؟

أما عن سبب تراجع الزيارات، فيُرجعه ميلر إلى “تأثير الذكاء الاصطناعي التوليدي ومواقع التواصل الاجتماعي على طريقة بحث الناس عن المعلومات”، موضحاً أن “محركات البحث باتت تستخدم الذكاء الاصطناعي بشكل متزايد لتقديم الإجابات مباشرة للمستخدمين بدلاً من إحالتهم إلى مواقع مثل ويكيبيديا”، في حين أن “الأجيال الشابة أصبحت تميل إلى البحث عن المعلومات عبر منصات الفيديو القصيرة بدلاً من تصفّح الويب المفتوح.”، ومن جانبها، نفت غوغل الادعاء القائل بأن الملخصات التي يقدمها الذكاء الاصطناعي تقلل من حركة الزيارات القادمة من نتائج البحث.
يؤكد ميلر أن المؤسسة ترحّب بـ”الطرق الجديدة التي تمكّن الناس من الوصول إلى المعرفة”، ويرى أن ذلك لا يقلل من أهمية ويكيبيديا، إذ إن المعلومات المأخوذة منها ما زالت تصل إلى الجمهور حتى وإن لم يزوروا الموقع مباشرة. كما يشير إلى أن ويكيبيديا نفسها جربت استخدام ملخصات تعتمد على الذكاء الاصطناعي، لكنها أوقفت التجربة بعد شكاوى من بعض المحررين.

ومع ذلك، فإن هذا التحول يحمل مخاطر حقيقية، خصوصاً إذا أصبح الناس أقل إدراكاً لمصدر معلوماتهم الفعلي، كما يقول ميلر: “مع انخفاض الزيارات إلى ويكيبيديا، قد يتناقص عدد المتطوعين الذين يساهمون في تطوير المحتوى، وقد يقلّ كذلك عدد الداعمين الأفراد الذين يمولون هذا العمل، ويُذكر أن بعض هؤلاء المتطوعين يتمتعون بشجاعة لافتة، إذ أفادت تقارير بأن أحدهم تمكّن من نزع سلاح مسلح أثناء مؤتمر لمحرري ويكيبيديا يوم الجمعة.

ولهذا السبب، يرى ميلر أن شركات الذكاء الاصطناعي ومحركات البحث ومنصات التواصل الاجتماعي التي تعتمد على محتوى ويكيبيديا “يجب أن تشجع المستخدمين على زيارة الموقع مباشرة”، بدلاً من الاكتفاء بنقل المعلومات منه دون تفاعل مع المصدر الأصلي، ويضيف أن ويكيبيديا بدورها تتخذ خطوات لتعزيز هذا الهدف، منها تطوير إطار جديد يوضح نسب المحتوى المقتبس من الموسوعة، إلى جانب وجود فريقين مخصصين لمساعدة ويكيبيديا على الوصول إلى قراء جدد، مع فتح الباب أمام المتطوعين الراغبين في المساهمة.

كما دعا ميلر القراء إلى دعم “نزاهة المحتوى وعملية إنتاجه”، قائلاً:”عندما تبحث عن معلومة عبر الإنترنت، ابحث عن المصادر الأصلية وتحقق من الاستشهادات، واضغط للوصول إلى المادة الأصلية، تحدث مع من حولك عن أهمية المعرفة الموثوقة التي ينشئها البشر، وساعدهم على إدراك أن المحتوى الذي يغذي الذكاء الاصطناعى التوليدى هو نتاج جهد أناس حقيقيين يستحقون الدعم.”
 

نقلاً عن : اليوم السابع