التخطي إلى المحتوى

تُعد «الإكزيما» من أكثر الأمراض الجلدية شيوعًا التي يعاني منها ملايين الأشخاص حول العالم، إلا أن ما يجهله كثيرون هو أن التوتر النفسي يلعب دورًا رئيسيًا في تفاقم أعراض «الإكزيما»، حيث يربط العلماء اليوم بين الجهاز العصبي وجهاز المناعة والجلد في علاقة معقدة تُظهر كيف يمكن للمشاعر السلبية أن تتحول إلى التهابات جلدية وتهيجات مزمنة، وتوضح الدراسات أن زيادة الضغوط اليومية والقلق المفرط لا تضر فقط بالصحة النفسية بل تمتد لتؤثر على الجلد بشكل مباشر مما يجعل «الإكزيما» أكثر حدة واستمرارًا.

ما هي الإكزيما وكيف تظهر أعراضها

تُعرف «الإكزيما» بأنها حالة التهابية مزمنة تصيب الجلد وتسبب الحكة الشديدة والجفاف والاحمرار وأحيانًا التشقق، وتظهر عادة في اليدين والوجه والرقبة وثنيات المرفقين والركبتين، وقد تكون هذه الحالة وراثية أو مكتسبة، إلا أن العوامل النفسية مثل التوتر المستمر والقلق العصبي تعتبر من أبرز العوامل المساعدة في ظهورها أو تدهورها، فمع كل حالة توتر يفرز الجسم هرمونات التوتر مثل الكورتيزول التي تؤدي إلى اختلال توازن المناعة في الجلد، مما يجعل «الإكزيما» تتفاقم بسرعة، كما أن المصابين يشعرون غالبًا بأن الجلد يصبح أكثر حكة بعد المرور بموقف عصيب أو فترة ضغط نفسي.

كيف يسبب التوتر تفاقم الإكزيما

يعمل التوتر النفسي على تحفيز سلسلة من التفاعلات الكيميائية داخل الجسم تؤدي إلى زيادة الالتهاب، وقد بينت الدراسات أن الأشخاص الذين يعانون من «الإكزيما» لديهم حساسية مفرطة تجاه هذه التغيرات، إذ يتفاعل جلدهم بسرعة أكبر مع إفراز هرمونات التوتر، كما أن الجهاز العصبي في الجلد يحتوي على مستقبلات خاصة تتأثر بهذه الهرمونات، فتزداد الحكة والالتهابات، وتبدأ الدورة المعروفة باسم «دائرة الحكة والتوتر»، حيث يؤدي التوتر إلى الحكة، والحكة بدورها تسبب مزيدًا من التوتر، لتدخل الحالة في حلقة مفرغة يصعب كسرها إلا بالعلاج النفسي والدوائي معًا، وهذا ما يفسر لماذا تتحسن بعض حالات «الإكزيما» بمجرد تقليل الضغوط النفسية أو ممارسة تقنيات الاسترخاء.

العلاقة بين الجهاز العصبي والجلد

يرى الباحثون أن الجلد ليس مجرد غطاء خارجي للجسم بل هو عضو يتواصل باستمرار مع الجهاز العصبي، فكل إحساس يمر عبر الجلد يرسل إشارات إلى الدماغ الذي يرد بإفراز هرمونات تؤثر على صحة الجلد، وعند ارتفاع مستويات التوتر يفرز الجسم مواد مثل الكورتيزول والأدرينالين التي تضعف حاجز الجلد الطبيعي وتقلل من قدرته على الاحتفاظ بالرطوبة، مما يجعل «الإكزيما» أكثر نشاطًا، كما أن هذه المواد الكيميائية تؤدي إلى زيادة إنتاج المواد الالتهابية في خلايا الجلد مما يفاقم الاحمرار والحكة ويجعل الحالة أكثر صعوبة في السيطرة عليها.

التأثير النفسي والاجتماعي للإكزيما

من المثير أن العلاقة بين «الإكزيما» والتوتر ليست في اتجاه واحد، فكما أن التوتر يفاقم الحالة الجلدية فإن مظهر الجلد المتأثر يسبب بدوره توترًا نفسيًا إضافيًا، إذ يشعر المريض بالحرج أو القلق من المظهر الخارجي، خصوصًا عندما تظهر البقع الحمراء على الوجه أو اليدين، مما يزيد من الشعور بالإحباط ويؤدي إلى تفاقم «الإكزيما» أكثر، وهكذا يدخل المريض في دوامة نفسية تحتاج إلى دعم نفسي متواصل، ومن هنا تأتي أهمية إدراك أن علاج «الإكزيما» لا يقتصر على المراهم والأدوية فحسب بل يشمل أيضًا رعاية الصحة النفسية وتخفيف التوتر اليومي.

طرق السيطرة على الإكزيما أثناء التوتر

يؤكد الأطباء أن السيطرة على «الإكزيما» في ظل التوتر تحتاج إلى مزيج من العناية الجسدية والنفسية، فاتباع أسلوب حياة هادئ يقلل من فرص تفاقم الأعراض، ومن أهم الخطوات المفيدة ممارسة التأمل والتنفس العميق لتقليل الضغط العصبي، والالتزام بنظام غذائي متوازن غني بالأوميغا 3 والفيتامينات التي تدعم صحة الجلد، إضافة إلى الحفاظ على ترطيب البشرة بشكل منتظم لتقليل الجفاف والحكة، كما يُنصح المرضى بتجنب المواد المثيرة للحساسية مثل العطور والمنظفات القوية، لأن الجلد المتوتر يكون أكثر حساسية تجاه هذه العوامل، وفي بعض الحالات يوصي الأطباء بجلسات العلاج السلوكي المعرفي لمساعدة المريض على التعامل مع القلق والإجهاد بطرق أكثر فعالية.

نصائح الأطباء للمصابين بالإكزيما

يشدد الخبراء على أن التعامل مع «الإكزيما» يحتاج إلى صبر واستمرارية، لأن العلاج لا يقتصر على إزالة الأعراض مؤقتًا بل يتطلب متابعة طويلة المدى، وينصح الأطباء بالابتعاد عن مصادر القلق المبالغ فيه، والنوم لساعات كافية، وممارسة الرياضة الخفيفة التي تساعد على تحسين المزاج وتقليل التوتر، كما أن التحدث مع مختص نفسي أو دعم اجتماعي من الأسرة يمكن أن يكون له أثر إيجابي كبير على حالة الجلد، فكلما كان المريض أكثر هدوءًا نفسيًا كان الجلد أكثر استقرارًا وصحة.

الأمل في علاج شامل للإكزيما

مع التقدم الطبي المستمر ظهرت أدوية حديثة تستهدف الجهاز المناعي بشكل مباشر لتقليل الالتهابات الناتجة عن «الإكزيما»، إلا أن الأطباء يؤكدون أن العلاج النفسي يظل جزءًا أساسيًا لا يمكن إغفاله، لأن التوازن بين العقل والجسد هو الأساس في السيطرة على هذا المرض المزمن، وتبقى الوقاية الأفضل هي تقليل الضغوط النفسية اليومية والاهتمام بالصحة العامة والعناية بالبشرة بطريقة منتظمة.

نقلاً عن : القارئ نيوز